من الحوار ينبثق النور) جملة كتبها أفلاطون قبل قرون ، ومازال لها معاني واضحة . وقد بدأت بهذه الجملة لعلم من أعلام الفلسفة لأني هنا أتناول الحوار الفكري ويشمل بمعنى خاص الحوار الفلسفي .
ولكي ينبثق النور لا بد من إرتباط الحوار بمحاور الفكر وموضوعاته وقضاياه سواء أكان المحور ضمن الفكر بصفة عامة في مجالات إجتماعية وسياسية وعلمية وإقتصادية وغيرها ، أو كان المحور ضمن الفكر الفلسفي عند تناول الاشكالات والقضايا الفلسفية ضمن المجالات الفلسفية المتنوعة .
وقد يوجد حوار حول موضوع ما ، ولكنا نجده أبعد ما يكون عن سمة الحوار الفكري ، اما لأسباب تتعلق بالمقدمات المطروحة وما تتصف به من شطحات وعمومية وعشوائية ، أو لأن مثل تلك المقدمات لا تعتبر مواضيع فكرية تستحق البحث والجهد الذهني مقارنة بغيرها ، وأحيانا لأسباب تتعلق بتقديم النتائج والقناعات قبل أن يبدأ البحث في ما يقدم من طرح ، وقد يتم تلافي هذه الأسباب أو تلك ومع ذلك يبتعد الطرح عن سمات الحوار الفكري نتيجة لابتعاده عن ما يتطلبه الحوار من حيادية ونزاهة وإحترام أخلاق الانسانية المشتركة - وأعني التي تتصل بالانسان بصفته إنسان - وليس المقصود الاخلاق بالمعنى التقليدي أو الاجتماعي ، وأيضا نلاحظ في كثير من الحوارات إدخال النعوت الشخصية أو الخروج عن محور الموضوع اما جهلا أو تعمدا .
ومن أهم مميزات الحوار الفكري أن يكون أسلوب الحوار يتصل أكثر بمفردات ومفاهيم ومعاني الموضوع المطروح ، بحيث يكون هناك تقارب بين مستوى الطرح أو ما يتضمنه الحوار ومستوى القضية المعنية ، وأرى أن ذلك يتحقق كلما كان لدى المحاور إطلاع و إستيعاب ووعي للموضوع بشكل كافي قبل طرحه .
وعندما يتقدم محاور ما بموضوع ما ، فإننا نجد الدافع لذلك أحد الاحتمالات الآتية :
· تساؤلات واجهته وسببت له حيرة ويريد من آخرين مشاركته حولها عله يجد لديهم ما يرضيه ولو نسبيا .
· إبداع جديد يرى أن طرحه مناسبا فينتجه للآخرين للاستفادة والتطوير .
· أفكار ضرورية اما جديدة أو تعليق على نظريات ومدارس يرى بأنها تؤدي لنتائج إيجابية ومنها تغيير مفاهيم وتحصيل وعي ورقي بمجتمع .
· نقد لظواهر وأخطاء وبيئات اما بسبب كونها سيئة أو أن العصر تجاوزها .
· ومن المحتمل وجود دوافع أخرى لا يحضرني ذكرها حاليا مع أهميتها .
وأيا كان الدافع المحتمل الذي يحفز المحاورعلى طرح ما يريده ، فإن جميع الدوافع للكتابة تضع المحاور أمام أهمية التفاعل الإيجابي مع من يشاركه الحوار ، وبتالي وجود الحوار بين الطرفين من أجل أن ينبثق النور،واذا توفرت نزاهة و موضوعية الحوار والنقد الايجابي وإحترام أخلاق الانسان فلا يوجد سبب يعفي المحاور من الرد إلا إذا تم الاخلال بسمات الحوار الفكري بشكل واضح ، أو كان الرد يتضح من معناه هذا الاخلال .